بيان مجلس إيزيديي سوريا حول الإعلان الدستوري
شهدت سوريا تحولات سياسية كبرى عقب سقوط النظام السوري في 8 ديسمبر 2024، حيث استبشر الشعب السوري، بكل مكوناته، بزوال الحكم الاستبدادي الذي دام أكثر من نصف قرن، أملاً في بناء دولة ديمقراطية عادلة. إلا أن ما تلا ذلك من قرارات وإجراءات متسرعة من قبل هيئة تحرير الشام، بدءًا بتنصيب رئيس الجمهورية عبر فصائل عسكرية، مرورًا بتشكيل لجنة للحوار الوطني، وعقد مؤتمر وطني دون توافق، وانتهاءً بالإعلان الدستوري، أصاب السوريين بخيبة أمل عميقة.
إننا في مجلس إيزيديي سوريا نرى أن الإعلان الدستوري المطروح لا يعكس تطلعات السوريين نحو بناء دولة ديمقراطية عادلة، بل يشكل تراجعًا خطيرًا عن مبادئ المواطنة والتعددية، التي تعدّ أساس أي نظام سياسي حديث. إن تجاهل القرار الدولي 2254، وفرض رؤية أحادية للدولة السورية عبر مواد دستورية منحازة على أساس طائفي، كاشتراط أن يكون دين رئيس الدولة الإسلام، وأن يكون الفقه الإسلامي المصدر الرئيس للتشريع، يعكس محاولة فرض نظام ديني-قومي إقصائي، يهمّش ملايين السوريين من غير العرب والمسلمين، ويقوّض حقوق الكرد، السريان، الآشوريين، الأرمن، والمكونات الدينية الأخرى كالمسيحيين والإيزيديين.
لذا ينبغي الإشارة إلى اعتماد مبادئ الدولة المدنية، وفصل الدين عن الدولة، وإعادة صياغة المادة الثالثة بما يتوافق مع حقوق الإنسان وفق مواثيق حقوق الإنسان، واعتبار الشرعة الدولية لحقوق الإنسان المصدر الرئيس للتشريع، وإزالة عبارة الأديان السماوية من المادة الأولى الفقرة الثانية، وربط مفهوم النظام العام بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان، والإشارة بشأن الأحوال الشخصية بعبارة صريحة إلى المكون الإيزيدي، الذي عانى طوال العقود الماضية من الانكار الرسمي للدولة به، كمكون سوري أصيل من حقه الاعتراف بالأحوال الشخصية الخاصة به.
لقد تعرض الإيزيديون، كمكون تاريخي وأصيل في سوريا، عبر العصور لمجازر واضطهادات وصلت إلى حدّ الإبادة الجماعية، مما ساهم هذا الأمر في تدهور وتقلص أعداد الإيزيديين على الأرض التاريخية لهم، مما يعرضهم لخطر الزوال، رغم ذلك فإن الإعلان الدستوري يتجاهل حقوقهم تمامًا، ويعيد إنتاج سياسات التمييز والإقصاء التي عانى منها السوريون لعقود طويلة، لذا كان حريَّاً بالمشرفين على إعداد الإعلان الدستوري، الأخذ بعين الاعتبار السعي لرفع الغبن عن هكذا مكونات، عبر مشاريع تنمية طارئة بغية إنقاذ مايمكن إنقاذه، وكذلك الاستعانة بنظام الكوتا لتمثيلهم الشرفي، والحفاظ على تواجدهم الوطني المعنوي ضمن مجالس ومؤسسات الدولة السورية المرتقبة.
كما أن منح الرئيس الانتقالي صلاحيات واسعة تشمل تشكيل المحكمة الدستورية وتعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، يعكس توجهاً استبدادياً يكرس السلطة الفردية، بدلاً من إرساء نظام حكم ديمقراطي قائم على الفصل بين السلطات والتمثيل العادل لكل المكونات.
ويزيد من خطورة المشهد تزامن الإعلان الدستوري مع تصعيد خطير استهدف مكونات بعينها، وعلى رأسها الطائفة العلوية، حيث شهدت الأيام التي سبقت الإعلان جرائم مروعة بحق المدنيين العلويين، مما يعكس نزعة إقصائية تتجاوز الإطار السياسي إلى تحريض مباشر على العنف الطائفي. إننا ندين بأشد العبارات هذه المجازر ونحمل المسؤولية الكاملة لكل من ساهم في التحريض عليها أو غضَّ الطرف عنها، مؤكدين أن سوريا لا يمكن أن تُبنى على الطائفية والعنف، بل على أساس دولة القانون والمواطنة، العدالة، المساواة والتعددية.
إننا نؤكد أن مستقبل سوريا لا يمكن أن يُصادر ويتحدد بقرارات فردية تفرضها جهة واحدة، وإنما من خلال حوار وطني شامل يمثل كل أطياف الشعب السوري، على أسس ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وتضمن دولة المواطنة القائمة على العدل والمساواة وسيادة القانون.
بناءً عليه، فإننا في مجلس إيزيديي سوريا نرفض مسودة الدستور المطروحة رفضًا قاطعًا، وندعو القوى الديمقراطية كافة: المنظمات الحقوقية، والمجتمع المدني إلى الوقوف في وجه هذا الانحراف الخطير عن مسار الديمقراطية، والسعي لعقد مؤتمر وطني حقيقي يضع أسس دستور حضاري يعبر عن جميع السوريين دون إقصاء أو تمييز.
مجلس إيزيديي سوريا
16 مارس 2025